الصفحة الرئيسيةخبر عاجلدراسات ومقالاتمتفرّقات

شرف الدين: الريبة الجامعة وتناوب الإقصاء

كتب  الدكتور رائد شرف الدين ورقة بحثية عن المعضلة  اللبنانية : الريبة الجامعة وتناوب الإقصاء

ملخص البحث:
يتناول البحث المعضلة البنيويّة التي تعصف بالنظام السياسيّ اللبنانيّ، عبر تحليل آليّتين مركزيتين شكّلتا مرتكزًا لسيرورته التاريخيّة: الريبة الجامعة وتناوب الإقصاء.  وفحواها أنّ الأزمة اللبنانيّة ليست نتاج أحداث ظرفيّة أو إخفاقات إداريّة، بل هي ثمرة تراكم تاريخيّ لبنية طائفيّة رسّخت انقسامات عاموديّة حالت دون تشكّل دولة وطنيّة جامعة قائمة على مبدأ المواطنة.

ُبيّن الورقة أنّ “الريبة الجامعة” تمثّل حالة مستدامة من انعدام الثقة المتبادلة بين الطوائف والمكوّنات السياسيّة، حيث يُعاد تفسير أيّ مكسب يحقّقه طرف ما بوصفه تهديدًا مباشرًا للآخرين، وفق منطق “اللعبة الصفريّة”. وقد ساهمت الحرب الأهليّة (1975–1990) في مأسسة هذه الريبة عبر إنتاج سرديّات متوازية للمظلوميّة داخل كلّ طائفة، من دون المرور بمسار عدالة انتقاليّة يسمح بإعادة بناء الذاكرة الجماعيّة على سرديّة وطنيّة مشتركة.  فغدت الذاكرة الجماعيّة حقلًا لإعادة إنتاج الشكوك، وتحوّلت التجربة الحربيّة إلى إطار مرجعيّ يُفسِّر المواقف السياسيّة اللاحقة ويضفي عليها طابعًا وجوديًّا
.
أمّا “تناوب الإقصاء”، فيُشير إلى نمط متكرّر تتبادل فيه القوى السياسيّة ممارسة التهميش عند تغيّر موازين القوى، بحيث يتحوّل تداول السلطة إلى عمليّة إقصائيّة تُعيد إنتاج الانقسام وتعطّل إمكان قيام شراكة سياسيّة مستقرّة. وقد شهد لبنان محطات عديدة تجسّد هذا النمط، من تهميش المسلمين قبل الحرب، إلى تراجع بعض القوى المسيحيّة في مرحلة ما بعد الطائف.  ويُظهر البحث أنّ النظام الطائفيّ يوفّر بيئة مؤسّساتيّة تُسهّل هذا التناوب، من خلال المحاصصة، والفيتوات المتبادلة، وقواعد تمثيل تُقفل النظام أمام قوى التغيير.

ويُبرز البحث أنّ اتفاق الطائف، رغم أهميّته في وقف الحرب، لم يُنتج عقدًا اجتماعيًّا جامعًا، بل أعاد ترميم النظام الطائفيّ بصيغة جديدة إذ لم تُطبّق بنوده الإصلاحيّة المتعلّقة بإلغاء الطائفيّة السياسيّة أو اللامركزيّة، فيما ترسّخت الممارسة القائمة على المحاصصة وتوزيع المناصب وفق اعتبارات طائفيّة.  ونتيجة لذلك، انقطعت العلاقة المباشرة بين المواطن والدولة، وحلّت مكانها علاقة زبائنيّة تُدار عبر “الوسيط الطائفيّ”، ما أسهم في تآكل الثقة بالمؤسّسات وانهيار الهويّة الوطنيّة الجامعة.

وتشير الورقة إلى أنّ تداعيات هذه البنية ظهرت في شلل مؤسّسات الدولة، وتكرار الفراغات الدستوريّة، وانهيار الخدمات العامّة، فضلًا عن تفاقم الفساد البنيويّ الذي ساهم في الانهيار الاقتصاديّ والماليّ منذ عام 2019.  وترافق ذلك مع تآكل الطبقة الوسطى وهجرة واسعـة للكفاءات، ما عمّق هشاشة الاجتماع السياسيّ اللبنانيّ.

وفي تحليل آفاق الخروج من الأزمة، يتطرق البحث إلى وجود عوامل بنّاءة، مثل الضغط الدوليّ المشروط بالإصلاحات، والديناميّات الشعبيّة العابرة للطوائف.  غير أنّ هذه الفرص تواجه عوائق بنيويّة، أبرزها صمود البنية الطائفيّة وقدرتها على إعادة إنتاج ذاتها، والفساد الممنهج، وارتهان القرارالداخليّ للتجاذبات الإقليميّة
.
يخلص البحث إلى ضرورة بلورة عقد اجتماعيّ جديد يقوم على ثلاث ركائز مترابطة: استعادة الثقة عبر الشفافيّة والمساءلة، تحقيق العدالة الاجتماعيّة والاقتصاديّة والانتقاليّة، وإعادة بناء الهويّة الوطنيّة على أسس تتجاوز الانتماءات الطائفيّة نحو مواطنة جامعة.

إشارة الى ان تفاصيل الورقة البحثية موثّقة على الموقع الإلكتروني للدكتور رائد شرف الدين النائب الاول لحاكم مصرف لبنان السابق.

المصدر : الموقع الإلكتروني للدكتور رائد شرف الدين

زر الذهاب إلى الأعلى